مقالات

(21) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية

لا يملك أحد من البشر الحق في الحديث عن خلق الكون إلَّا من خلال الآيات القرآنية التي تحدث بها رب الكون وخالقه، لأنَّه هو المطلع على تفصيل خلقه وله سبحانه الحق الحصري في الحديث عنه دون أحد سواه.

ومن هنا كان من الأهمية بمكان النظر في آيات القرآن الكريم، التي تتحدث عن الخلق التدريجي للكون واضعين في الاعتبار النظر الشمولية لخلق الكون، وليست النظرة البشرية الضيقة والمحدودة التي تتحدث عن خلق الكون بمقياس بشري محدود العقل ومحدود الفكر ومحدود العلم.

وهذا يؤكد عدم الإدراك الواعي للعقل البشري ونقصه في الكم والكيف عن الحديث عن كيفية خلق الكون وماهية خلقه.

ومن هنا فإن الذي أنزل القرآن الكريم هو الله والذي خلق الكون هو الله، ومن المفترض أن يكون الفهم الشرعي والعلم الكوني لخلق الكون والحياة مفهوم واحد وقراءتهما متكاملة، لأن المصدر واحد وجميعها صادر عن الله سبحانه الذي له الخلق والأمر، دون تكلّف في  الادعاء بوجود تناقض بين كلام الله في القرآن الكريم، وخلق الله في الكون والإنسان.

وإذا وجد تناقض من هذا القبيل في التوفيق بين كلام الله في القرآن الكريم وخلق الله في الكون والإنسان، فهذا مردوده إلى الفهم الخاطئ الناتج عن الاستنباط الخاطئ عند علماء الشريعة الذين لم يستوعبوا كلام الله في الحديث عن خلق الله.

وما ينطبق على علماء الشريعة ينطبق على علماء الطبيعة، الذين لم يستخدموا عقولهم في فهم مرادات الله عند الحديث عن كلام الله في خلق الله، وإذا كان هناك قصور في الفهم وهو موجود في الطبيعة البشرية، ومتوفر عند الجميع لمحدودية العلم الذي يملكه الإنسان سواء كان على مستوى علم الشريعة أو على مستوى علم الطبيعة.

فلا يجب الادعاء بوجود تعارض بين كلام الله في الشريعة، وخلق الله في الطبيعة، إلَّا من قبل الفهم السطحي للنصوص في كلام الله عند علماء الشريعة، والفهم الساذج لخلق الله عند علماء الطبيعة، وهذا لا يقلل من قيمة وعلم الجميع ولكن من منظور قلة علم الإنسان المتعلق بالروح والجسد والحامض النووي كما أشرت من قبل والذي لا يعلم عن نفسه إلا قليل القليل ويجهل عنها كثير الكثير.

لأنه لا تناقض في الجزئيات على مستوى الجسيمات الأولية والذرات ولا تعارض في الكليات بين كلام الله الذي أنزل القرآن الكريم وخلق الله في الكون والإنسان، لأن الخالق واحد هو الله سبحانه وتعالى في وجود فهم علمي حقيقي يقضي على التعارض ويقوي من التعاضد، لأن هذا معناه أننا استطعنا أن نفهم عن الله في كلامه وعن الله في خلقه ولو كان فهم محدود أو منقوص دون الادعاء باكتشاف تعارض في وجود العقول الخاوية والقلوب الواهية من كل قيمة ومعنى.

فملء الفراغات في المسارات المختلفة بين علم الشريعة وعلم الطبيعة، كان الهدف من وجود موقع إعجاز، الذي يدَّعي عن علم ولو كان قليل، السعي إلى ملء الفراغات بين مسارات أهل الشريعة ومسارات أهل العلم وتقريب وجهات النظر بينهما، بمعنى أنَّه موقع إنقاذ، لمنع التعارض بين كل هذه الأفكار البشرية، لأنه من المفترض ألَّا تكون هناك خلافات أو اختلافات جذرية، إذا فهم الجميع الحقيقة في كلام الله والحقيقة في خلق الله عن الله سبحانه وتعالى.

وهذا فيه إعجاز هائل وكبير، لأنه لا توجد حقيقة علمية ثابتة تصدم مع حقيقة علمية كونية واقعة في الكون، لأن الله الذي وضع هذه الحقائق العلمية في الكون، هو الذي أنزلها في آياته والتي تؤكد وجوده حتى ولو لم نراه.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق