(3) الإسلام… والقبلتين
كانت الصلاة مفروضة على الأمم السابقة، لأنها تؤكد الصلة الجسدية والصلة الروحية بين الله سبحانه وتعالى وخلقه، ولذلك ثمثل الصلاة رابطة بين السماء والأرض بها يقف الإنسان بجسده في المحراب وفي مركزه القبلة وفيها يعرج بروحه إلى السماء، فالصلاة تمثل إسراء بالجسد ومعراج بالروح مثلها مثل باقي الطاعات وكافة الأعمال التي يقوم به الإنسان من ميلاده حتى وفاته.
كانت الصلاة مفروضة على جميع الأنبياء والمرسلين وكانت قبلتهم بيت المقدس، قال تعالى: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا” (مريم: 58- 60).
وفرضت الصلاة على إبراهيم عليه السلام وعلى ذريته وقبلته بيت المقدس، قال تعالى: “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” (إبراهيم: 37).
وقال تعالى: “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” (إبراهيم: 40)، وقال الله تعالى: “وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” (البقرة: 125).
فرض الصلاة على داوود عليه السلام
وفرضت الصلاة على داوود عليه السلام وقبلته بيت المقدس، قال تعالى: “إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ” (ص: 18)، وفرضت الصلاة على موسى وهارون عليهما السلام وقبلته بيت المقدس.
قال تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (يونس: 87).
وفرضت على عيسى عليه السلام وقبلته بيت المقدس، قال تعالى: “وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا” (مريم: 31)، وفرضت الصلاة على زكريا عليه السلام وقبلته بيت المقدس، قال تعالى: “فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ” (آل عمران: 39).
وفرضت الصلاة على مريم عليها السلام وقبلتها بيت المقدس، قال تعالى: “يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” (آل عمران: 43).
وهذا معناه أن الصلاة كانت تمثل أهمية قصوى في رسالة الأنبياء والمرسلين وأقوامهم على مدار الزمان والمكان ودليل على الطاعة وعنوان للنظافة والطهارة المادية والمعنوية وإعلان الولاء لله سبحانه وتعالى تأكيدًا للصلة بين العبد وربه، مما يؤكد إدامة الولاء لله سبحانه وتعالى من خلال الصلاة والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وكانت قبلتهم جميعًا بيت المقدس.
لذلك كانت الصلاة هي الأداة التي يعبر فيها الإنسان عن مدى الولاء والخضوع والاستسلام لله سبحانه وتعالى فكان لها هذه الأهمية القصوى في توجيه الأنبياء والمرسلين وأقوامهم الوجهة الصحيحة والتي في مركزها القبلة في بيت المقدس ومحرابها الصَّلاة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر